الاحتباس الحراري العالمي .. وإسهامات المملكة
د. هيثم باحيدرة - جريدة الاقتصادية
يقصد بظاهرة الاحتباس الحراري الزيادة التدريجية في درجة الحرارة الكلية للغلاف الجوي للأرض، ويعزى ذلك بشكل عام إلى تأثير غازات الدفيئة الناتج عن زيادة مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون، وهذه الظاهرة هي عبارة عن الارتفاع المستمر والواضح في متوسط درجة حرارة النظام المناخي للأرض. وغالبا ما تنسب أيضا ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي إلى الزيادة في متوسط درجة حرارة الهواء والبحر على سطح الأرض. وحسب البيانات العلمية فإن بدايات ظهور 50 في المائة إلى 90 في المائة من ظاهرة الاحتباس الحراري كانت في المحيطات منذ عام 1950. وأغلبية العلماء مقتنعون بأن جل هذه الظاهرة ينجم عن زيادة تركيزات غازات الدفيئة الناشئة عن الأنشطة البشرية. والعنصر الرئيس المسؤول عن زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري هو انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن احتراق الوقود الأحفوري، وإنتاج الأسمنت، والتغيرات في استخدام الأراضي مثل إزالة الغابات.
ويعتقد أن التغيرات المناخية في جميع أنحاء العالم في المستقبل، والتأثيرات المرتبطة بذلك ستختلف من منطقة إلى أخرى. وتتضمن الآثار المترتبة على الزيادة في درجات الحرارة العالمية ما يلي:
– ارتفاع مستويات سطح البحر.
– التغيير في كمية ونمط هطول الأمطار.
– التوسع المحتمل للصحارى شبه الاستوائية.
– تكرار ظهور ظروف الطقس القاسية.
– الجفاف، وموجات الحر، وغزارة هطول الأمطار.
– حموضة المحيطات.
– تهديد الأمن الغذائي من جراء انخفاض ناتج المحاصيل.
ومن أجل التقليل والحد من حجم وآثار تغير المناخ والاحتباس الحراري طويل المدى، يوصي العلماء ومناصرو البيئة بوجوب تطبيق إجراءات للتخفيف من آثار تغير المناخ، من بينها الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (غازات الدفيئة)، وزيادة قدرة امتصاص الكربون عن طريق – على سبيل المثال – “إعادة الغابات”، والتحول إلى مصادر الطاقة منخفضة الكربون مثل الطاقة المتجددة، وتوسيع الغابات… إلخ. كما يمكن لكفاءة الطاقة أيضا أن تؤدي دورا حيويا في هذا الإطار من خلال تنفيذ أنظمة تصنيف وسياسات المباني الخضراء على سبيل المثال.
ووفقا للمؤمنين بخطورة ظاهرة الاحتباس الحراري، فالسبب الأكبر لوضع كوكب الأرض اليائس الحالي هو فشلنا في التصدي لظاهرة تغير المناخ. ويقر العديد من المحللين بأن المشكلة حقيقية، لكن نهجنا في التعامل مع قضايا الطاقة ينحرف عن الواقع الفعلي. وكلما زادت الدراسات العلمية المنفذة في هذا الصدد، زادت الصورة سوءًا: الصفائح الجليدية والأنهار الجليدية تُستنزف وتتراجع بمعدلات أسرع مما هو مفترض، وحموضة المحيطات آخذة في الارتفاع. ويعتقد أن السنوات الثلاثين الماضية هي الأعلى حرارة خلال الـ1400 سنة الماضية.
وهناك حاجة إلى تحقيق انخفاض كبير في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري لتجنب زيادة درجات الحرارة العالمية. ويعتقد خبراء البيئة أنه إذا استمررنا في مسارنا الحالي، فسنستقبل عصر التغير الكارثي في المناخ قريبا.
وستتنوع الآثار وتختلف تبعا للموقع الجغرافي، لكن يمكن أن تلاحظ زيادة كبيرة في وتيرة وشدة العواصف، والفيضانات، والجفاف، وحرائق الغابات الكارثية، وارتفاع مستوى سطح البحر، وانقراض بعض السلالات الحيوانية والنباتية، وذلك استمرارا لما نشهده بالفعل خلال العقود القليلة الماضية.
ومن الأهمية بمكان وجوب توظيف القرارات السياسية المتخذة لأفضل نتائج التقدم العلمي، التي أحرزت في مجال تغير المناخ واستخدامها كمؤشرات قياسية، ويجب أن ينفذ هذا الأمر على المستوى الوطني. كما أن هناك حاجة لخلق ضرورة اقتصادية بالتركيز على مستقبل منخفض الكربون.
ويجب علينا أن نقلل كثيرا من كمية الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، التي نطلقها في الغلاف الجوي من أجل التصدي بفعالية لهذه الظاهرة. ويعتقد أن عملية إزالة الغابات الاستوائية تتسبب في نحو 10 في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم، ويمكن عبر الحد من إزالة الغابات الاستوائية أن تنخفض بشكل كبير هذه الانبعاثات. وبالطبع لا يعاني العالم من نقص في نفايات المواد الغذائية والبلاستيك والمعادن، لذلك فهناك حاجة إلى توصيف وتنفيذ أنظف العمليات والأساليب القائمة اليوم في العالم كله وأكثرها فاعلية من حيث التكلفة في مجال تحويل النفايات إلى طاقة (إدارة النفايات)، خاصة في بلدان العالم الثالث. وينبغي بذل الجهود للحد من انبعاثات الوقود الأحفوري، لأن هذا الأمر قد يؤدي دورا أساسيا في التوصل إلى حل شامل طويل الأمد لظاهرة الاحتباس الحراري. ويمكن للمباني الموفرة للطاقة ولعمليات صنع الأسمنت المحسنة (مثل استخدام الوقود البديل لإشعال الفرن) أن تقلل من انبعاثات غازات الدفيئة في العالم المتقدم، وأن تمنع ظهورها في العالم النامي.
ومع أخذها في الاعتبار الآثار البيئية والمناخية القوية جدا لظاهرة الاحتباس الحراري، فقد وقعت حكومة المملكة العربية السعودية على بروتوكول كيوتو، وهو اتفاق دولي مرتبط باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، التي تلزم أطرافها بوضع أهداف ملزمة لخفض الانبعاثات دوليا. ويشارك العديد من المسؤولين والشخصيات الكبيرة أيضا في مجموعة متنوعة من مؤتمرات القمة العالمية للمساعدة في حماية الأرض.
وقد زادت المملكة أيضا من اهتمامها بمعالجة مختلف أولويات التنمية العالمية، حيث أصبحت الآن أحد أكبر مقدمي المساعدة الإنمائية الرسمية في التنمية العالمية والجهود الإنسانية. وهذا يشمل الدعم المالي الكبير والمهم للجهود الإنسانية للأمم المتحدة في سياق الأزمات مثل ما واجهته هايتي والصومال وغيرهما في السنوات الأخيرة.
كما أن قضايا استخدام الموارد الطبيعية والاستدامة البيئية هي أيضا محل تركيز. وفي عام 2011 تقدمت المملكة بإعلانها الوطني الثاني للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، مسلطة الضوء على التحديات الخطيرة الناجمة عن ارتفاع كثافة نمو استهلاك الطاقة، إلى جانب نقاط الضعف المتصاعدة بسبب تزايد ندرة الأراضي الصالحة للزراعة والمياه العذبة المتوافرة طبيعيا. ومن ثم يولى اهتماما كبيرا، ويتم السعي وراء مجموعة جديدة من الأهداف السياسة لتوسيع كفاءة الطاقة وزيادة توظيف الطاقة المتجددة في المملكة من أجل الحفاظ على النفط لضمان تدفق عائدات التصدير في المستقبل، وفي نفس الوقت الحد أيضا من انبعاثات الكربون.
المصدر : جريدة الاقتصادية - 16 جماد الآخر 1435هـ الموافق 17 مارس 2014م