داليا قزاز - جريدة الحياة

عدد القراءات: 1111

طفل لم يكمل ستة أعوام ويضرب زميلته في المدرسة «علقة سخنة»، وعندما حاولت المعلمات توجيهه ومعرفة الأسباب وراء عنفه المستمر، أجاب بكل صراحة وتلقائية بأنها لا تنصت له: «وعادي بابا يضرب ماما»! الاختصاصية النفسية استدعت الأم لتتحدث معها وشعرت الأم بحرج شديد، لأن مسألة الضرب وسكوتها عليه تعدت جدران المنزل، وأصبحت تؤثر في الصغير في شكل أكبر وأسرع مما كانت تتوقع، فهو لم يكتفِ بتهديده المستمر لها في المنزل بأنه سيضربها – كما يفعل بابا – بل نقل ذلك إلى المدرسة قولاً وفعلاً. العنف الذي يمارس على الأم وتقبل به، بغض النظر عن الأسباب، أثر في الطفل بشكل سلبي، فكانت هذه الحادثة بمنزلة المشهد الأخير في مسلسل معاناة أمِّه، إذ قررت بعدها المطالبة بالطلاق، مهما كانت النتائج. فهل أخطأت في قرارها؟ آلاف الدراسات يمكن أن ترد على هذا التساؤل، وتجدها في كتب ومقالات وأبحاث علم النفس وغيره من العلوم الاجتماعية، إذ ركز كثير منها على تأثير العنف الممارس على الأم في تشكيل شخصيات الأطفال خلال نشأتهم. ومن قراءات عدة نرصد دروساً سيئة وغير صحية يتعلمها الطفل من العنف الممارَس على والدته، منها أن العنف والتهديد به هما أسهل وسيلة لتحقيق الأهداف، وأن هناك خيارين للإنسان إما أن يكون مُعنِّفاً أو ضحية، إضافة إلى تعليم الطفل في شكل مباشر أنه يمكن أن ينجو من العقاب إذا قام بأذية أي شخص. كما ينشأ الطفل على أن والدته (الضحية) هي المسببة للعنف، ويتعلم من ردود أفعالها وقبولها بالضرب بأن المرأة ضعيفة وعاجزة، ولا تستحق التعامل باحترام. ناهيك عن التأثير غير الإيجابي الذي يسببه ذلك العنف في طريقة تفكيره ومشاعره ورؤيته للحياة والأسرة. في المقابل، تؤكد دراسات نفسية مختلفة أن نشأة الأطفال في بيئة يمارس فيها العنف على الأم تخلق مشكلات عدة في المستقبل، وتختلف تبعاً لعمر الطفل الذي يشهد العنف من بداية كونه رضيعاً يتأثر بأصوات وحال توتر لا يفهمها وتستمر، وهو طفل، وبعدها مراهق ثم شاب قادر على فهم مشاعر الآخرين، لكنه أيضاً لا ينجو من الضرر النفسي. وهذه الآثار قد تراها أمامك مباشرة كما حدث مع تجربة الأم أعلاه، وقد لا تراها؛ لأن المشكلات النفسية تنمو وتكبر داخلهم مع الوقت. ويرى المتخصصون أن الأطفال دون عامين يقلدون السلوكيات العنيفة، وقد يرونها تصرفاً عادياً وينشأون بمشكلات سلوكية ونفسية، وأن الكثيرات من الفتيات اللاتي تتعرض أمهاتهن للعنف والضرب قد يقعن مستقبلاً في علاقات مسيئة يتعرضن فيها للعنف. وفي دراسات أخرى، فإن الأطفال الذين يعيشون في بيئة يمارَس فيها العنف يشعرون بالخيانة والألم من أشخاص يفترض أن يحموهم، لا أن يتسببوا لهم بالمعاناة. فقدوتهم في الحياة (الأب والأم) ومن يعلمانهم كيف يكوّنون علاقات اجتماعية وعاطفية هما المعتدي والضحية. ينشأ هذا الطفل وهو يشعر بالارتباك أو القلق أو الخوف أو الغضب أو الحزن أو غيرها من المشاعر السلبية، وتضعف ثقته في نفسه، وكثيراً ما تتأثر حالته الصحية جراء هذه الحالات النفسية. عندما تقرأ كل هذه السلبيات يمكن أن تشعر أن الضرر حدثَ وانتهت القصة، ولا يمكن أن نعود بالزمن إلى الوراء. لكن هل يعني أن «اللي انكسر ما يتصلح»؟ صحيح أن الطفل الذي ينشأ وهو يشاهد والدته تُهان وتُضرَب ويُمارَس عليها العنف سيتغير للأبد، بحسب ما يرى متخصصون، لكن هذا لا يعني أنه تضرر للأبد أو فقد فرصته في أن يعيش حياة نفسية سليمة وصحية كما يرى آخرون، فالأوان لم يفت أبداً.

المصدر : جريدة الحياة - يوم الخميس ٨ رجب ١٤٣٥هـ الموافق ٨ مايو ٢٠١٤م