كلمة الاقتصادية - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 2604

 من الآن لن تكون لبعض المخالفات المرورية صفة المخالفة، بل ستكتسب صفة الجريمة، وذلك بحسب التوصيف الجديد للجرائم الموجبة للتوقيف فقد صدر قرار وزير الداخلية بتحديد الجرائم الكبيرة، حيث تضمنت الفقرة 17 حوادث السير في أثناء قيادة المركبة تحت تأثير المسكر أو المخدر أو المؤثر العقلي أو التفحيط أو قيادة المركبة في اتجاه معاكس لحركة السير أو تجاوز إشارة المرور الضوئية أثناء الضوء الأحمر إذا نتج عنها وفاة أو زوال عضو أو تعطيل منفعة أو جزء منها أو إصابة مدة الشفاء منها تزيد على 15 يوما.

هذا التوصيف الجنائي لما كان يعتبر في الأمس مجرد مخالفة مرورية يستند إلى نظام الإجراءات الجزائية الذي نصت مادته رقم 112 على أن يحدد وزير الداخلية بناء على توصية رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام ما يعد من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف وينشر ذلك في الجريدة الرسمية، فهناك حوادث مرورية تنم عن تهور وعدم مبالاة بحياة الآخرين، وتكشف عن مخاطرة بحياة المشاة والركاب، وهي حوادث ليست وليدة لحظة مفاجئة، بل هي نتيجة سلوك غير واع، ولا يمكن وصفه سوى بأنه نوع من الجنون. وقد شهدنا وشاهدنا بعض تلك الحوادث التي يندهش لها العقلاء، ويرون أن معالجتها تحت بند الحوادث المرورية غير عادل، بل يجافي المنطق الصحيح للعقاب على الأفعال.

هناك موقف فقهي يتجاوز حدود الفتوى الفردية إلى الفتوى الجماعية، ولذا تناول وأقر مؤتمر مجلس الفقه الإسلامي الدولي المسؤولية الجنائية على قائدي المركبات في حال السرعة وعدم المبالاة، ووجوب التزامهم بأنظمة المرور التي قصد بها المصلحة العامة، وتحريم تصرف قائد المركبة تصرفا يفضي غالباً إلى الإضرار بنفسه أو بغيره، ويضمن ما ترتب على تصرفه من أضرار. ومن ذلك قطع الإشارة الحمراء والسرعة العالية المفرطة والاستعراض بالسيارة (التفحيط) والمطاردات غير المشروعة والإهمال في صيانة أو قيادة المركبة إهمالا ينشأ بسببه الضرر.. تلك وغيرها تترتب عليها مسؤولية جنائية، لأنها بمنزلة مشروع ارتكاب جناية بحق الآخرين والنفس أيضا.

لقد قرر الفقهاء أن يتحمل المباشر لقيادة السيارة المسؤولية الجنائية عمداً أو شبه عمد أو خطأ بحسب الحالة وبحسب الظروف والملابسات، ولولي الأمر وللقضاء إيقاع عقوبة التعزير المناسبة وإن من المُفترض أن تؤدي العقوبات بحسب مآلها المعتاد إلى تقويم سلوكيات الفرد وتغييرها نحو الأفضل، ثم الحرص على تنمية وعي الفرد تجاه المجتمع لضمان تحقيق الهدف الذي هو في النهاية ناتج جماعي يكتسبه الكل وليس على مستوى فردي. والحقيقة أن نتائج تطبيق نظام ساهر أسهمت في تغيير سلوك سائقي المركبات، وهو ما يمكن معرفته من خلال إحصائية دقيقة توضح كيفية تغير سلوك قائدي المركبات، ومنها انخفاض نسبة الحوادث والوفيات والتلفيات في المركبات والطرق.

إن للسلامة المرورية بُعدا وقائيا، فهي تهدف إلى تبني جميع الخطط والبرامج واللوائح المرورية والإجراءات الوقائية للحد من أو منع وقوع الحوادث المرورية ضمانا لسلامة الإنسان وممتلكاته، وحفاظا على أمن البلاد ومقوماته البشرية والاقتصادية، وإن العمل من أجل وقاية المجتمع من حوادث المرور يمكن إسناده لشركات ومؤسسات مختصّة في التوعية، فالحوادث لدينا غير عادية في حجم التهور وقلة المبالاة، كما أنها كارثية في خسائرها البشرية والمادية، فالعنصر البشري يشمل في الواقع القوى البشرية المديرة للحركة المرورية في المكاتب والطرقات؛ لأنها هي التي تضع منهجية التعامل مع الظاهرة المرورية، وتستطيع أن تتغلب على معظم السلبيات متى كانت أهدافها ممكنة التحقيق، باستخدام وسائل التقنية والعنصر البشري، لتطبيق النظام على المخالفين.

المصدر : جريدة الاقتصادية - يوم الثلاثاء ٥ شعبان ١٤٣٥هـ الموافق ٣ يونيو ٢٠١٤م