د. هيثم باحيدرة - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 1053

لقد تغير فهمنا للمناخ العالمي والنظام الاقتصادي والعالم بشكل كبير خلال العقد الماضي، ولهذا كان لزاما أن تتغير أيضا أدوار ومسؤوليات الشركات. فالحاجة ملحة لتغيير طريقة التفكير والعادات في عالم تزداد موارده شحا.

وحتى في خضم هذا الاضطراب السريع، فهناك يقين بأن الشركات على اتفاق مع العلماء والقادة الوطنيين. فمن الأهمية بمكان أن نعمل سويا لنحد من ظاهرة الاحتباس الحراري لتجنب عواقب أخطر من تغير المناخ.

وقد قدم لنا العام الماضي الأطر والزخم الذي نحتاج إليه لمعالجة هذه المشكلات. إن الأهداف الإنمائية المستدامة للأمم المتحدة توفر إطار سياسات عالمية للقضاء على الفقر دون تعريض الموارد الطبيعية للخطر، واتفاقية باريس لمكافحة تغير المناخ، التي وافقت عليها 195 دولة، تحدد اتجاها جديدا وعلى نطاق واسع للعمل المناخي العالمي.

ولكن الأطر ليست سوى نقطة البداية. والأمر متروك للجميع – الحكومات والشركات والمجتمعات كلها – إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع حد للفقر المدقع والتحول إلى اقتصاد خال من الكربون.

ويقول بول بولمان الرئيس التنفيذي لشركة يونيليفر منذ يناير 2009، وهو رئيس مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة، وعضو في مجلس الأعمال الدولي للمنتدى الاقتصادي العالمي، “كرئيس لشركة تعمل في أكثر من 190 بلدا وتستخدم منتجاتها بمعدل ملياري شخص كل يوم، أنا مقتنع بأن الشركات تقع على عاتقها مسؤولية ولها مصلحة في دعم الاستدامة”.

إن التحول إلى اقتصاد مزدهر ونظيف أمر لا مفر منه ولا رجعة فيه ولا يمكن مقاومته.

في العام الماضي، لأول مرة، نما الاقتصاد العالمي دون زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وفي كثير من الاقتصادات الكبرى في العالم، بما في ذلك الصين والهند وفرنسا والولايات المتحدة، الطاقة المتجددة الآن قادرة على إنتاج الكهرباء بتكلفة التكنولوجيات التقليدية نفسها.

وقد بدأت الشركات في جميع أنحاء العالم في تغيير طريقة التفكير. وقد كان العديد يعتبر الاستدامة كقضية بيئية أو تنموية، إلا أنهم الآن يفهمون أنها أيضا أمر رئيس للأعمال وضرورة اقتصادية.

وأشار بيتر باكر من مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة في الآونة الأخيرة إلى أن هناك 13 من الحضور من قطاع الأعمال في المؤتمر الدولي الأول للتصدي لتغير المناخ في ريو دي جانيرو في عام 1992. أما في باريس العام الماضي، فقد كان هناك أكثر من ألف من ممثلي قطاع الأعمال.

وقد أدرك هذا الجيل الجديد من قادة الأعمال أن دعم برنامج التنمية المستدامة من شأنه مساعدتهم على حماية الأداء طويل الأجل وتنمية أعمالهم.

ويمكن للأعمال أن تساعد في تسريع التنفيذ، وإطلاق العنان للاستثمار والابتكار والتحول الاقتصادي اللازم لتحقيق البرامج الطموحة.

وإذا استطعنا التحول إلى نموذج الاقتصاد القائم على تدوير المنتجات، فإنه يمكن أن تولد أكثر من تريليون دولار سنويا وتوفير 100 ألف فرصة عمل جديدة في السنوات الخمس المقبلة، وخفض كل النفايات والانبعاثات.

وعلاوة على ذلك، يمكن للاستثمارات في مجال كفاءة الطاقة زيادة الناتج الاقتصادي العالمي بنسبة تصل إلى 18 تريليون دولار بحلول عام 2035، وفقا لتقرير من منظمة التعاون والتنمية / وكالة الطاقة الدولية، والمساهمة أيضا في تحقيق الهدف في ظاهرة الاحتباس الحراري.

إذا اتخذنا جميع الخيارات الصحيحة الآن، فإنها لن تكلف أكثر لجعل تلك الخيارات الاستثمارية منخفضة الكربون، التي سيكون لها فوائد اقتصادية ومناخية كبيرة. السوق المالية تظهر بالفعل مصلحة في ذلك، وهو علامة على أن التحول سيحدث.

وقد أدرك قادة الأعمال أن ما يحتاجون إليه هو التعاون وليس المنافسة. لذلك، شهدنا موجة من الشراكات والتحالفات لدعم الأعمال والعمل من أجل التنمية المستدامة.

ولدى الشركات الكثير للقيام به لفهم وتعزيز الحالة الاقتصادية للاستدامة. ولهذا السبب شكلت الأعمال وقيادات المجتمع المدني اللجنة العالمية للأعمال التجارية والتنمية المستدامة، التي أطلقت أخيرا في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا. وستعمل خلال العام المقبل لتوضيح وتحديد حالة اقتصادية ملحة للشركات لدعم أهداف التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، ورسم خرائط الطرق التي تمكن الشركات من المشاركة، مع بناء ميزة تنافسية مزدهرة حتى مع تحول العالم إلى مسار مختلف.

الرسالة بسيطة: مصالح الأعمال وضرورات الإنسان في صلب التنمية المستدامة على حد سواء، بل تسير في الاتجاه نفسه. الاستثمارات التجارية والإجراءات جارية بالفعل، ولكن هناك حاجة لعمل الشركات مع الحكومات والمجتمع المدني في شراكة غير مسبوقة إذا أردنا أن نحقق طموح التغيير المطلوب.

المصدر : جريدة الاقتصادية - 4-4-2016