عبدالحميد العمري - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 1170

يواجه المواطن وأسرته على مستوى تحقيق التوازن المعيشي والتنموي بصورة عامة، عديد من التحديات والمعوقات، منها ما يمكنه تجاوزه أو التكيف معه، ومنها ما يصعب عليه كثيرا حتى الصمود أمامه، والتسبب لاحقا في انكشافه اقتصاديا واجتماعيا وتنمويا على آثار سلبية واسعة جدا، يمكن القول عنها في صورة أخرى أكثر وضوحا؛ إن حزام الأمان الاقتصادي والاجتماعي الخاص بذلك الفرد قد تعرض للاختراق، ومن ثم أصبح ممكنا لأي آثار تهدد استقراره المعيشي أن تتسرب عبر تلك الثغرات القائمة في حزام أمانه التنموي بصفة عامّة، ليدخل من ثم في حلقات مفرغة من الأزمات الحياتية التي لا يرى لحدودها نهاية قريبة الأجل، تمتد آثارها السلبية إلى الحد من خياراته المستحقة، وفي الوقت ذاته إلى توسيع دائرة المخاطر المحيقة حوله، سآتي بعد قليل على إيضاح أبرزها وأهم صورها على أرض الواقع.

المهم هنا؛ أن المواطن وأسرته كنواة رئيسة تشكل في مجموعها المجتمع ككتلة، تعتبر هي الركيزة الأساسية لأي بلد في عالمنا المعاصر، وتعتبر أيضا النواة المفترض أن تكون المساهم الأول والأقوى في صنع الاستقرار والتطور والنمو والنهضة لأي بلد كان، شرط أن تحظى بالحماية الكافية لحزام أمانها التنموي بصورة عامة، وحزام أمانها الاقتصادي والاجتماعي على وجه التحديد، كأهم وأثقل مكون في حزامها التنموي العام، يكفل لها ولبقية الأسر بيئة حياتية مستقرة إلى أقصى درجة ممكنة، تؤهلها فعليا للقيام بأدوارها ومساهماتها المأمولة تجاه النهوض بمقدرات مجتمعها وموطنها كشريك رئيس فيهما. بناء عليه، فإن أي خروقات لذلك الحزام التنموي عموما، وتحديدا من جانبه الاقتصادي والاجتماعي، يعني بصورة مباشرة وواضحة أن المساهمة الإيجابية المنتظرة للأسرة كنواة مكونة للمجتمع في إنماء مقدرات بلادها، ستتأثّر سلبيا دون أدنى شك في ظل هذا السيناريو الموضح هنا، وأن الآثار السلبية على الإنماء التنموي للبلاد، ستأتي أكبر كلما ازدادت أعداد الأسر التي تعرضت أحزمتها التنموية (تحديدا من الجانب الاقتصادي) للاختراق.

تتعدد مكونات الحزام التنموي لأي أسرة كانت، إلا أن أهمها على مستوى حزام أمانها الاقتصادي والاجتماعي، يتصدره مكونان رئيسان هما: (1) أن يتوافر لرب الأسرة فرصة العمل الكريمة والملائمة، التي توفّر له مصدر دخل مستدام وكاف، للوفاء بمتطلبات المعيشة الكريمة، وبما يؤهل رب الأسرة للمحافظة على استقراره الأُسري والمعيشي، ويوفّر له فرص المشاركة الفاعلة في النمو والتنمية الشاملة، والقدرة الكافية على تربية وتعليم الأبناء وتأهيليهم مستقبلا، لأن يكونوا أفرادا مؤهلين للمشاركة الفاعلة في تنمية ونهضة مجتمعهم وبلادهم. (2) توافر المسكن الملائم وغير المكلف ماديا لتلك الأسرة، بدءا من المسكن المستأجر في بداية تكوين الأسرة بما لا يستقطع أعلى من ربع الدخل السنوي لرب الأسرة، وانتهاء بتملك ذلك المسكن أيضا بما لا تستقطع أقساط تمويل شرائه ربع الدخل السنوي لرب الأسرة.

طبعا يتبع ذلك المكونين الرئيسين السالف ذكرهما أعلاه عديد من المكونات الحياتية المهمة الأخرى أيضا، إلا أن هذين المكونين يظلان هما الأهم كونهما المكونين اللذين يشترك فيهما جميع الأفراد والأسر في أي مجتمع كان. ما يعني بالضرورة أن عمل أي سياسات وبرامج اقتصادية وتنموية بصورة عامة، لا يمكن مهما اختلفت سياقاتها وأهدافها النهائية أن تنجح على الإطلاق دون أخذ هذين المكونين في الاعتبار، بل ووضعهما في مقدمة سلم أولوياتها، فلا يمكن أبدا أن يستقيم حال أي مجتمع في أي بلد كان، دون أن يحظى جانب توفير فرص العمل الكريمة للأفراد أولا، وتوفير السكن الميسر للفرد وأسرته ثانيا، بالاهتمام والأولوية القصوى.

الحق إن كل مكون من المكونين المذكورين أعلاه، يتطلب الحديث عنهما وتحليل وتشخيص أوضاعهما في المرحلة الراهنة لدينا، جهدا ودراسة وتحليلا أكبر وأكثر عمقا من مجرد التطرق إليهما في مقال عابر، وأن تأخذه الأجهزة والمؤسسات المعنية بشؤون الاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة والشاملة في بلادنا على محمل أكبر من حيث الاهتمام والعناية، بل وتمتد إلى تخصيص الموارد المالية اللازمة لأجل تحصين هذين المكونين الرئيسين، وتأهيلهما بالدرجة الكافية التي تصل بهما إلى الأهلية الممكنة للأفراد والأسر، وصولا إلى تمكين المجتمع عبر مكوناته الرئيسة من حماية وجودهما من أي مخاطر تهدد استقرارها أو تضعف من خياراتها الحياتية، ثم تؤهلها عن جدارة واستحقاق للوفاء بالأعباء والمسؤوليات الملقاة على عاتقها فردا فردا تجاه حماية مقدرات بلادها ومجتمعها.

لهذا سيتم إفراد مقال لكل مكون من المكونين المذكورين أعلاه، وصولا إلى بلورة أهم الحلول المقترحة اللازمة لتحصينهما في نهاية الحديث حولهما، وهو الجانب التنموي والحيوي الذي ننشد جميعا دون استثناء، أن يتوافر له الاهتمام والإرادة الجادة من قبل الأجهزة والمؤسسات ذات العلاقة كافة، التي تدفع فعليا نحو تعزيز وصيانة قوة حزام الأمان التنموي للأسرة، وتحديدا جانبه المهم جدا ممثلا في حزام الأمان الاقتصادي والاجتماعي. والله ولي التوفيق.

المصدر : جريدة الاقتصادية - 18-4-2016