د. نعيمة إبراهيم الغنّام - جريدة اليوم

عدد القراءات: 1095

تبلغ نسبة عدم معرفة حقوق الإنسان 94% من مواطني المملكة العربية السعودية، هذه النسبة التي وردت بتقرير للجمعية السعودية لحقوق الإنسان، تعكس غياب رؤية واضحة للثقافة الحقوقية وليس القواعد الحقوقية، فالقواعد والنصوص لا توجد بالمجتمعات الإنسانية إلا بعد استقرارها بالوعي الجماعي الذي يمثل الثقافة السائدة، وللأسف كثيرا ما يتناول المثقفون بعض المفاهيم بسطحية وتحيز غير مبرر، والمثال الواضح هنا هو، سيطرة رؤية مناهضة تعتبر حقوق الإنسان مفهوما غربيا لا يرتبط بالبلاد العربية، ورغم خطأ تلك الرؤية إلا أنها تجد مبررها في تشدق البلاد الغربية وطرح نفسها كمدافع عن حقوق الإنسان بمواجهة المجتمعات الرجعية، واعتبار قواعد حقوق الإنسان المنصوص عليها بالمواثيق الدولية، هي المعيار الأول للتحضر، لكن التاريخ والواقع يؤكد خطأ الرؤية الأولى، وعدم صحة الرؤية الغربية على إطلاقها، تاريخيا، توصل البشر لقواعد أساسية ترسخ احترام عدة مبادئ أساسية لحقوق الإنسان، ونجد تأكيدا لهذه الحقوق بالقواعد الدينية خاصة الإسلام، فالإسلام بوصفه الدين السماوي الأخير، أكد بنصوص كثيرة على احترام الكرامة الإنسانية، المساواة، العدل بين الخصوم، بل ولو راجعنا القواعد التي وضعها الإسلام للتعامل خلال الحروب، فسنجدها أكثر تقدما بكثير من اتفاقيات جنيف التي يعتبرها النظام العالمي دستور حقوق الإنسان بوقت الحرب، أما المواثيق الحقوقية الصادرة عن الأمم المتحدة فليست تجسيدا لرؤية الغرب بل على العكس، هي تقنين لما اتفقت عليه الجماعة الإنسانية نتيجة الانتهاكات المباشرة التي مارسها الغرب ضد شعوب البلاد المستعمرة قبل وخلال وبعد الحرب العالمية الثانية، والحقيقة ومع الاعتراف بهيمنة الثقافة الحقوقية على المجتمعات الغربية لأسباب تاريخية، إلا أن الغرب نفسه لا يهتم فعليا بنشر تلك الثقافة عالميا، ويحصرها بنطاق ضيق هو المواثيق المكتوبة والصادرة عن الأمم المتحدة، كذلك الإغراق بالشكلية المفرطة من حيث التطبيق، حيث ينحصر الاهتمام الواقعي للغرب، بمشروعات محدودة الأثر مثل، تعديل القوانين، عقد المؤتمرات والندوات، برامج رفع الوعي بالحقوق، إصدار التقارير والدراسات، ومع أهمية تلك المشروعات إلا أنها تظل محدودة الأثر لغياب الثقافة الحقوقية بغالبية بلاد العالم وليس البلاد العربية فقط، فحقوق الإنسان ثقافة ومبادئ اتفق عليها البشر بشكل عام، وغيابها بأي مجتمع يكشف عن مشكلة ثقافية وفكرية وليس مشكلة معرفية ترتبط بالمواثيق والنصوص، وعلى المثقفين والمهتمين بالمجتمع مواجهة تلك الإشكالية بعمق يبعدنا عن السطحية بتناول المفاهيم، ونحن بأشد الحاجة بالمملكة لنشر تلك الثقافة خصوصا وأننا بمرحلة تحول واضحة المعالم نحو التحديث، فالوصول بالمجتمع السعودي للدرجة المرجوة من التطور الحضاري، تستلزم السير بطريقين متوازيين، الأول، استيعاب قيمنا الخاصة وتراثنا التاريخي مع عدم الخوف من نقد الأفكار التي تشدنا للوراء، ورفض الانغلاق والتشدد، والثاني، التوجه نحو الحضارة الغربية بثقة وليس بدهشة، فشئنا أو أبينا، فالغرب الآن هو مصدر العلم التجريبي والتطور التكنولوجي، ولا غنى عنهما إذا كنا فعلا نملك مشروعا نهوضيا، فليس كل ما يرتبط بالغرب شراً مطلقاً، كما أن ليست ثقافتنا كلها خير مطلق، وثقافة حقوق الإنسان كمفهوم شامل، ستلعب دورا هاما جدا ولا غنى عنه لتطوير أفكارنا، وضبط التعاملات المجتمعية بما يحفظ حرية الفرد وحق المجتمع، فللجميع حقوق متساوية، والحفاظ على هذه الحقوق ضرورة لكل إنسان للشعور بالعدل والحرية، والتميز هو الشر الحقيقي الذي يبث الشعور بالظلم، وهو أول وأخطر معاول الهدم

 

المصدر : جريدة اليوم -