تصحيح مسار التعليم: التعامل بإيجابية مع الظواهر السلبية
أ. د. سعود بن ناصر الكثيري - جريدة الاقتصادية
يتعامل الأب مع أبنائه بتطلعات كبيرة تفوق قدراتهم أحياناً، فمهما يحقق الأبناء من إنجاز فإن الوالدين يتطلعان إلى المزيد، بينما آخرون يتعاملون مع أبنائهم بنقد كبير؛ فلا يرى بذلك مواطن التميز لديهم، بل يتتبع مواطن الخلل كي يجعلهم يتغلبون عليها، وكل ذلك له مسوغاته وقد يكون مقبولاً. لكن حين تكبر الدائرة فنتعامل مع أبناء الوطن ككل، فالأمر يجب أن يكون مختلفاً وأن ننظر بتوازن حتى لا نفقد الصورة الحقيقية وتغلب علينا صورة وهمية بسبب طريقة تعاملنا معها. هذا ما نحتاج إلى أن نسلكه في تعاملنا مع أجيال الوطن الواعدة، خاصة عند الحكم على قدراتهم ومهاراتهم ومدى قابليتهم للتعلم والنجاح والإبداع.
وعلى سبيل المثال، فعند النقاش حول مستوى طلابنا وطالباتنا سواء في التعليم الجامعي أو التعليم العام نجد ظاهرة النقد الشديد لهذا الجيل الشاب والتقليل من قدراتهم على التفكير وتواكلهم وضعف شخصياتهم وغير ذلك؛ ما يرسم صوة ذهنية عن المجتمع أن ذلك هو الأصل وهو الحقيقة عن طبيعة هذا الجيل كله، وقد ينتج عن تلك الصورة الذهنية فهم خاطئ أكثر ضرراً إذ قد يظن بعض المعنيين بالتعليم والقائمين عليه سواء من أعضاء هيئة تدريس أو معلمين أو مشرفين أو غيرهم من الأفراد أو حتى من بعض المؤسسات أن يتسلل إلى قناعتهم أنه ما دام هذا الجيل الشاب بهذا الضعف فلماذا إذن نُجهد أنفسنا لجيل قد لا يستحق البذل له والتضحية لتربيته؛ لأنه جيل ضعيف لا يمكن أن تتطور قدراته؛ وبالتالي فيرى هؤلاء أنهم معذورون في تقديم الواجب تجاه هذا الجيل، وقد يتبرأ بعضهم من أن يكون مسؤولاً عنهم أو قد يلقي بالمسؤولية على من قبله أو من فوقه في المسؤولية!
هذه صورة مغرقة في السلبية يمكن أن يدفع ثمنها الجيل الشاب عامة نتيجة ربما لتجارب فردية لاحظها البعض أثناء ممارساته التعليمية، وليس الهدف هنا أن نطمس حقائق قد نجدها في دراسات عن الجيل الشاب، لكن يجب التنبه والتأكيد على أن التعامل مع الظواهر السلبية بطريقة سلبية لا يزيد الأمر إلا سوءاً والدراسات مليئة بالشواهد، فعلى سبيل المثال هذه بعض الإحصاءات والأرقام التي صدرت من مراكز بحثية متخصصة عن إحدى الدول في عام 2012م، حيث تبين ما يلي:
– 90 في المائة من طلبة المرحلة الثانوية في هذه الدولة يتعرضون للمخدرات أيام الدراسة.
– 50 في المائة فقط في التعليم العام متفائلون بمستقبلهم.
– وفق أحدث إحصائية عن هذه الدولة فإن 42 مليونا من الطلبة لا يملكون الحد الأدنى من مهارات القراءة والكتابة.
– 20 في المائة فقط من الطلبة يجتازون الدرجة اللازمة في الاختبار التحصيلي للقبول في الكليات.
– يتناقص عدد المقدمين على التعليم الجامعي بشكل ملحوظ ولافت، مع تزايد نسب البطالة لحاملي البكالوريوس.
– أكثر من 60 في المائة من خريجي الثانوية في هذه الدولة غير مهيئين على نحو كاف لدراسة الجامعة أو سوق العمل.
ربما يخيل لنا أن تلك الإحصائيات هي لإحدى دول العالم الثالث، وربما يخيل كذلك أن تلك الدولة ليس لها من المنجزات شيء، وبالتالي لا تستحق حتى الاستفادة منها؛ لكن ربما نتعجب حينما نعلم أن جميع تلك البيانات صادرة من مراكز علمية متخصصة وهي عن الطلبة في الولايات المتحدة وتلك البيانات توحي بدلالات كثيرة، لكن الأهم في سياق هذا المقال يوضح لنا أن التعامل بسلبية مع الظواهر السلبية؛ كتضخيم المشكلات التي يواجهها طلابنا وطالباتنا أو إظهار العجز وعدم القدرة في حلها؛ فإنه لا يزيد الأمر إلا سوءاً؛ فالطالب لن يبذل الجهد اللازم للنجاح والتفوق، وسيغلب على المعلم أو المدرسة جو الإحباط والتثبيط، وربما يتقاعس المعنيون بالتعليم عن القيام بواجبهم تجاه الطلبة وهكذا.
أما البديل لذلك فهو أن نتعامل مع الظواهر السلبية التي نجدها في تعليمنا بطريقة إيجابية؛ ويمكن في هذا المجال الاستشهاد والمقارنة أيضاً مع المجتمعات الأخرى مثل أمريكا وسنغافورة وكوريا الجنوبية وغيرها؛ فالصفة المميزة الأولى في هذا المجال حين تظهر النتائج، وجود ضعف لدى طلبتهم؛ فإنهم لا يحمّلون طلبتهم المسؤولية ولا يلومون طبيعة الجيل الشاب بأنه مترف أو غير مبال؛ بل إنهم يجعلون المسؤولية الأولى على الجهات التنفيذية في المؤسسات التعليمية بمنسوبيها؛ فهي التي يجب أن تأخذ على عاتقها همّ تطوير الجيل الشاب الحالي مهما كانت قدراتهم. والصفة المميزة الثانية في هذا المجال أيضاً أن تلك المجتمعات المتقدمة لا تضخم المعلومات السلبية؛ فتجعل منها قضايا تربك العمل وتستنزف الجهود وتفقد التركيز في حلها أو في تحقيق نجاحات أخرى، بل تصف الواقع كما هو، لكنها في المقابل تضع خططها الإجرائية لضمان التحسين المستمر على المدى القصير والطويل، والصفة المميزة الثالثة أن تلك المجتمعات تتعامل مع واقعها وفق أرقام ونتائج دراسات مستمرة ولا تعتمد على تقارير ذاتية أو مشاهدات فردية فقط، ومع وجود تلك المميزات الثلاث في هذه المجتمعات فإنها أصبحت مؤهلة ومستحقة للمميزة الرابعة، وهي أنها تتعامل مع تلك الأرقام ونتائج الدراسات بشفافية ومعلنة للجميع، سواء كانت نتائجها سلبية أو إيجابية؛ لأن ذلك جزء من ثقافة التطوير المنظم الذي يستفيد من جميع المؤسسات والأفراد ويتعامل معهم كشركاء للنجاح.
وأخيراً فالأمل المنشود هو أن نوقن أن لدى مجتمعنا الاستعداد والقدرة على أن يتصف بتلك المميزات وزيادة، ويتغلب بإيجابية عملية على ما يواجهه من صعوبات مادية أو بشرية، وصدق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ”إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم”.
المصدر : جريدة الاقتصادية - 8 محرم 1435 هـ الموافق 12 نوفمبر 2013م