د. مرزوق الرويس - جريدة الأقتصادية

عدد القراءات: 1152

في غالب قوانين سوق العمل، تسعى هذه القوانين في عمل موازنة لسوق العمل حتى لا يغلب طابع أجنبي على محلي فيفقده تميزه ولا محلي على أجنبي فيفقده جودته. نجد أن معظم القوانين تسن لتحديد شكل سوق العمل دون الالتفاف حول القوانين التطبيقية الصارمة التي تضيق حيز التعاملات العملية. قوانين سوق العمل تتمحور في الغالب حول محفزات وظيفية وتطويرية للمهارات والكفاءات، إضافة إلى أنها تستخدم كمدعمات لتقوية نقاط الضعف في هذه السوق. وبالحديث عن سوق العمل فإننا نتحدث عن جميع ما يتمحور حول الأداء الاقتصادي في بيئة قانونية معينة.

وفي سوق العمل السعودية على وجه الخصوص وأسواق العمل الخليجية بشكل عام، نجد أن معظم البيئات القانونية المتعلقة بسوق العمل تتمحور حول تقليل الأثر السلبي لمشكلة البطالة. معظم القوانين تنص على الإحلال في بيئات العمل ما بين الموظف الأجنبي والموظف الوطني “كقانون السعودة”، وقوانين أخرى تنص على معالجة الأثر السلبي لمشكلة البطالة في المجتمع “كقانون حافز”، وقوانين أخرى تسعى جاهدة لتطوير مهارات وكفاءات الموظفين لتقليل تأثير ضغوط الاقتصادات العالمية على الاقتصاد الوطني “كقوانين صندوق تنمية الموارد البشرية”. وفيما بين هذه القوانين نجد أن هناك بعض البرامج غالبا ما تكون جزائية تستخدم لفرض آلية معينه لتطبيق القوانين المطروحة.

تعرضت القوانين المتعلقة بالبطالة في المملكة إلى عدة انتقادات معظمها يتمحور حول عدم توافر البديل الوطني المناسب، إضافة إلى عدم جدية الموظف الوطني ومرونة الموظف الأجنبي. وانتقادات أخرى حول عدم فاعلية هذه القوانين في تقليل نسبة البطالة وتأثيرها السلبي في القطاع الخاص، ما سبب عدم توافق بين قطاع الأعمال والمجتمع. فيما تمحورت انتقادات أخرى حول تقليل فرص المنافسة في القطاع الخاص، ما يسهم في التأثير سلبا في الاقتصاد الوطني. وعلى الرغم من هذا كله إلا أن قوانين البطالة الحالية ما زالت تسعى جاهدو للتركيز على التحكم في النسبة وليس انخفاضها. والتساؤل الذي يتبادر لنا هل قوانين البطالة وبرامجها فعلا نجحت في التقليل من نسبة البطالة العامة، وأن هذه الانتقادات ليست إلا تبريرات لزيادة أرباح المنظمات الخاصة؟

في إحصائية آخر ثلاث سنوات للبطالة ـــ حسب موقع مصلحة الإحصائيات العامة والمعلومات السعودي ــــ فإن نسبة البطالة في عام 2012 كانت 5.5 في المائة من مجموع القوى العاملة مرتفعة إلى 5.6 في عام 2013 ومستمرة في الارتفاع لتصل إلى 5.7 في المائة في النصف الأخير من عام 2014. ولكن نسبة البطالة بين السعوديين كانت في عام 2012 تساوي 12.2 في المائة ونزلت إلى 11.7 في المائة في 2013 وحافظت على هذه النسبة في عام 2014. وبذلك فإن مجموع نسبة البطالة العامة أخذ في الارتفاع التدريجي في الفترة نفسها التي انخفضت نسبة البطالة فيها بين السعوديين. وهذا يقودنا إلى تساؤل أعظم: لماذا انخفضت نسبة البطالة بين السعوديين وازدادت نسبة البطالة العامة لآخر ثلاث سنوات؟

هذا التساؤل يقودنا إلى أن هناك حلقة مفقودة في القوانين المتعلقة بالبطالة. فالمقياس الفعلي لهذه القوانين هو نسبة البطالة العامة وليس عدد الموظفين السعوديين الذين تم توظفيهم في فترة معينة أو نسبة البطالة بين السعوديين فقط. وعلى الرغم من جميع الجهود المبذولة لتوظيف الأفراد السعوديين إلا أن نسبة البطالة العامة ما زالت مرتفعة ما أدى إلى أن تركيز هذه الجهود بدأ يصب في طريقة تنفيذ القوانين الحالية بدلا من الوصول إلى الهدف من تشريعها.

فتكثيف القوانين يعطي مؤشرا واضحا على أن الحل في الإجمال ليس قانونيا. ويستطيع الشخص أن يستدل بالتحايلات على القوانين المطروحة لحل مشكلة البطالة السعودية “كالسعودة المقنعة والتخاذل العملي وتحايلات على تأشيرات العمل”. فلنا أن نجد شخصا يتقاضى راتبا شهريا من دون عمل ولكن فقط من أجل تسجيل معلوماته لمنظمة معينة وهو ما يسمى بالسعودة المقنعة. وأصبح طبيعيا لدى آخرين التخاذل في البحث عن عمل أو رفض عمل مقدم له بسبب الدعم المقدم من برنامج حافز. كما يلاحظ البعض التلاعب في عدد تأشيرات العمالة الوافدة الذي بدأت وزارة العمل في السيطرة عليه بقوانين أخرى أدت إلى زيادة تعقيد مشكلة التستر. وبذلك فإن معظم القوانين المتعلقة بالبطالة بدأت تأخذ منحنى حل مشكلة معينة وخلق أخرى مكانها. جميع هذه القوانين تم اعتمادها من أجل ضمان تطبيق القوانين المتعلقة بالبطالة بدلا من التركيز في تقليل نسبتها.

معالجة مشكلة معقدة كالبطالة مثلا غالبا تخضع لدراسة متغيراتها وقياس مؤشراتها الصحيحة كأساس علمي لا جدال فيه. ولكن كثرة القوانين التنفيذية التي تسعى إلى تحديد هذه المتغيرات والمؤشرات والتي لم تكن ذات فاعلية عالية توجد لنا مشاكل أخرى كما حدث في التأشيرات والتستر. حتى نتمكن من التأثير في نسبة البطالة، لابد لنا أن نقبل بأن مشكلة البطالة السعودية هي مشكلة ثقافية اجتماعية وليست فقط سلوكية قانونية. تحتاج هذه المشكلة إلى عمل تكاملي بين جميع المؤسسات المتعلقة بسوق العمل والمجتمع ليس للتأكد من تطبيق قوانين أخرى ولكن من أجل تغيير الثقافة العملية التي تسهم في تبسيط مشكلة البطالة والذي بدوره سيسمح بسن برامج تكميلية قانونية للسيطرة عليها.

فزيادة عدد السكان السريع في العقود الثلاثة الماضية مع قلة برامج تطوير المهارات المقدمة للمواطنين، إضافة إلى الاعتماد على نظام تعليمي لا يوافق إلى حد كبير التطور العالمي، أوجد لدينا مشكلة ثقافية متعلقة بالعمل. هذه المشكلة أثرت سلبا في محوري النجاح اللذين تمحورا حول ثقافة (1) الاعتماد على الغير مسببا ضعفا في النواحي المعرفية العملية (2) وعدم الجدية في العمل مسببا ضعفا في الإخلاص العملي لدى معظم أفراد المجتمع السعودي، إضافة إلى الدعم الاجتماعي لانتهاج العمل الإداري أكثر من العمل الحرفي.

فهذه المشكلة ستستطيع قوانين البطالة ببرامجها من الناحية القانونية والعمل التكاملي الثقافي الاجتماعي من الناحية الثقافية، حل مشكلة البطالة حتى لا تصبح عبئا على المجتمع السعودي والمجتمعات الخليجية. فالناحية القانونية ببرامجها ستسعى لمحاولة التحكم في نسبة البطالة حتى لا تتضاعف ولكنه سيكون من الصعب جدا خفضها بهذه البرامج فقط. فمشكلة البطالة السعودية تحتاج إلى وقفة المؤسسات الحكومية والمؤسسات الاجتماعية والقطاع الخاص لدعم الثقافة العملية الصحيحة من خلال عدة استراتيجيات لعدة برامج ثقافية تعليمية ومن ثم تطبيقها. وهذا لن يكون في فترة قصيرة بل ستستغرق فترة طويلة ولكن لن تكون في الغالب أكثر من الفترة التي منحت لقانون السعودة لحل مشكلة البطالة. وبالتوفيق بين الجانب القانوني للسعودة مع الجانب الثقافي العملي للمجتمع ستتقلص نسبة البطالة إلى الحد الذي يمنعها من التأثير السلبي في المجتمع والاقتصاد السعودي.

المصدر : جريدة الأقتصادية - الأربعاء 19 جمادى الثاني 1436 هـ. الموافق 08 إبريل 2015