د. مرزوق الرويس - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 1208

في إحدى الإحصائيات المتعلقة بالتعليم في السعودية، استوقفتني نسبة الأميين في المملكة. بحيث إنها شكلت نسبة 1.11 في المائة في النصف الأول و0.92 في المائة في النصف الثاني من عام 2014. في غالب الأبحاث العلمية لا حرج في وجود مثل هذه النسبة في إحصائيات أو نتائج لدراسة أو بحث معين. ولكن التساؤل الأهم: هل هذا واقع أن هناك أميين في السعودية؟ وعلى أي أساس تم تصنيفهم كأميين؟

إحدى أهم ركائز العمل الحكومي هي الكفاءة والفعالية في الخدمة الحكومية المقدمة. ومعنى الكفاءة هو أن تصل الخدمة الحكومية المقدمة إلى جميع الأفراد في المجتمع. وبعد أن يتم تحقيق الكفاءة بتوفير الخدمة الحكومية لجميع الأفراد، تبدأ المنظمات الحكومية بالتركيز على فعالية الخدمة المقدمة، وهي عادة تتمحور حول رفع جودة هذه الخدمة، مع المحافظة على كفاءتها. وبذلك فإن كان هناك أميون في المجتمع السعودي، فإن هذا يدل على ضعف في كفاءة نظام التعليم السعودي وأداء المنظمات المعنية به. فالتعليم لا بد أن يصل لجميع الأفراد في المملكة حتى وإن اضطرت المنظمات التعليمية إلى تحفيز المواطنين لتلقيه. لأن هذا سيسهم في رفع كفاءة المنظمة الحكومية المعنية بخدمة التعليم.

في السبعينيات الميلادية، قامت حكومة المملكة بتحفيز البدو الرحل ليستوطنوا من أجل تسهيل رفع كفاءة المنظومات الحكومية بتقديم الخدمات لجميع أفراد المجتمع السعودي. وكان التعليم أحد هذه الخدمات المقدمة، فكان من الصعب أن تقدم خدمة التعليم مثلا لأفراد متنقلين. فكانت الاستراتيجية هي تحفيزهم للاستقرار، ومن ثم تقديم الخدمة لرفع كفاءة التعليم، ومن ثم قياس فعاليتها.

وفي نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات الميلادية، بدأ التركيز يصب على فعالية التعليم مع بعض الجهود للحفاظ على الكفاءة. لذلك فإن المواطنين في معظم المدن الكبيرة والرئيسة بدأوا يبحثون عن فعالية التعليم أكثر من كفاءته بالسعي للحصول على درجات علمية متقدمة. وبهذا فإن درجات التعليم المتوسطة أصبحت هدفا لأنها تسهل على حاملها أن يحصل على وظيفة مناسبة لسد احتياجاته الأساسية في تلك الفترة.

وفي وسط التسعينيات، بدأت درجة التعليم المتوسطة في الاضمحلال من كونها هدفا لتصبح درجة الثانوية العامة هي الهدف كمتطلب لمعظم أفراد المجتمع للحصول على مكانة وظيفية تكفيهم في توفير احتياجاتهم. وزادت المتطلبات حتى أصبحت للدرجة الجامعية ومنها إلى الدراسات العليا في وقتنا الحاضر. وأصبح دور المنظمات التعليمية السعي في توفير الدرجات العلمية ودور الأفراد الحصول عليها. وستزداد المتطلبات لتوفير الاحتياجات الأساسية حتى يصبح التنافس ليس فقط على توفر المعلومة (كفاءتها)، بل أيضا على جودتها (فعاليتها). ومع هذا٬ ما زال معيار تقييم تصنيف المتعلم عن غير المتعلم قائما على معرفة الشخص بالكتابة والقراءة.

تتغير قيمة التصنيف التعليمي غالبا مع تغير البيئة المحيطة به كالتغيرات التقنية، والعلمية، وما إلى ذلك. في المجتمعات المتقدمة، بدأت القراءة والكتابة بل حتى الدرجات العلمية الابتدائية والمتوسطة تتلاشى كمعيار أساسي لتحديد تعلم الشخص من عدمه. وبذلك فإن معظم من يتقنون الكتابة والقراءة فقط أو درجات علمية دنيا، أصبحوا يشكلون عنصرا مؤثرا سلبا في نسبة البطالة. بحيث إن هؤلاء الأشخاص لم يعد لديهم أي مجال وظيفي سوى أن يكونوا خيارا احتياطيا في الوظائف الدنيا في حال عدم توافر المطلوب. وهذا يقودنا إلى أهمية معرفة المعيار الصحيح والمتزامن مع التطورات العالمية لاتخاذه كمعيار كفاءة للتعليم السعودي لتقديمه لجميع أفراد المجتمع السعودي، وتصنيف الأفراد المتعلمين من غيرهم بناء عليه. ويبدأ التساؤل: إلى أي درجة علمية يجب أن يكون معيار التصنيف التعليمي في السعودية؟

المحرك الأساس لتطور البيئات المحيطة بالتعليم في المجتمعات هو العولمة التي أسهمت في سهولة تبادل المعارف والخبرات فيما بين الدول. وهذا بدوره أسهم في ارتفاع متطلبات سوق العمل لمواكبة التغيرات الاقتصادية، الذي أخذ بدوره في الضغط على الأفراد لتوفير هذه المتطلبات كتوافر بعض الدرجات العلمية المتخصصة مع بعض المتطلبات التقنية كإتقان التعامل مع الكمبيوتر وغيرها. وبذلك فإن توافق متطلبات سوق العمل مع التعليم أمر مطلوب. والذي يستوجب الاستفادة من العولمة في معرفة الاتجاه العالمي والتنبؤ بمتطلباته ثم توفيرها. وهذا غالبا سيسهم في زيادة جودة المعرفة (التعليم) وليس فقط توافرها.

وبهذا فإن نظام التعليم السعودي يحتاج إلى دعم كفاءته برفع معيار التصنيف التعليمي ليصبح منافسا عالميا. ورفع هذا المعيار قد يحتاج إلى الاستفادة من المبتعثين في أنحاء العالم ودمج معارفهم وخبراتهم التعليمية لتكوين معيار حقيقي متوافق مع الثقافة المحلية ليسهم في رسم استراتيجية التعليم السعودي المقبلة. وهذه الاستراتيجية ستخرج كفاءة يسعى الأفراد لتحقيقها، في الوقت الذي ستصب أغلب جهود المنظمات التعليمية في المحافظة عليها ورفع فعاليتها. هذا يحتاج إلى بعض القوانين التي ستدعم هذا المعيار وتضمن وصول الخدمة لجميع الأفراد لتحقيق الكفاءة. ومن هذه القوانين حد العمر الأدنى للعمل، الذي يصاحبه قانون يدعم إلزامية التعليم لجميع من هم دون سن معينة كالسابعة عشرة مثلا ليضمن تلقيهم التعليم. بحيث تسهم هذه الاستراتيجية أيضا في رفع فعالية الفرد السعودي، الذي بدوره سيكون عاملا مؤثرا في تطوير النظام التعليمي، إضافة إلى رفع كفاءة وفعالية الأداء الحكومي وتطوير ثقافة المجتمع في المملكة. وبمشيئة الله ستصبح السعودية في مصاف الدول المتقدمة.

المصدر : جريدة الاقتصادية - 14-4-2015