د. عبد العزيز الغدير - جريدة الاقتصادية

عدد القراءات: 1663

يقول أحد المستثمرين في قطاع المقاولات إن القطاع أصيب بمخاطر عالية نتيجة حملة تصحيح أوضاع العمالة الوافدة، حيث انخفضت أعداد الأيدي العاملة وارتفعت تكاليفها في حين يقول مستثمر في قطاع الاتصالات إن الشركات ستخسر ثلاثة ملايين مستخدم بصورة مفاجئة ما سيترتب عليه انخفاض حاد في دخل بعض الشركات، بينما يقول مواطن إن الحملات التصحيحية ساهمت في التضخم ورفع الأسعار وهكذا دواليك لا يوجد أحد إلا وأصابه التعديل في ماله أو تجارته أو وقته.

الكل متفق على أن ما يحدث من تصحيح غير مسبوق مؤلم بصورة أو بأخرى، وفي الوقت نفسه الكل متفق على ضرورة تصحيح أوضاع سوق العمل السعودي ليصبح سوقاً سوياً يُمكِّن المواطن من الحصول على فرصة عمل أو فرصة استثمار مناسبة دون منافسة غير عادلة من عمالة وافدة نظامية أو غير نظامية، وفي الوقت نفسه الكل متفق على ضرورة دفع السوق نحو السعودة العاطفية أو السعودة الصورية وإنما المطلوب هو السعودة المهنية.

السعودة المهنية هي تلك السعودة التي تقول للمواطن السعودي إن الدولة تعمل على تحقيق حقك بالعمل، ولكن في الوقت نفسه تقول أيضاً بأن عليك واجبا وهو أن تكون موظفاً جديراً بالوظيفة فنياً وسلوكياً وألا تتخذ من السعودة ونظام نطاقات عوامل ضغط على المؤسسات والشركات لتتكاسل عن العمل أو أن تعمل في الحدود الدنيا من العمل تبرئة للذمة، أي أنها سعودة الحقوق والواجبات معاً.

مفهوم الحقوق الأساسية للمواطن يتوسع منذ نشأة مفهوم الدولة الحديثة حتى أصبح يشمل التعليم والعلاج والإسكان والطاقة والعمل، وأعتقد أنه اليوم يشتمل على الإنترنت السريع في جميع أنحاء البلاد كما هو حال الماء والكهرباء تماماَ، ولاشك أن عدم توافر أيٍ من هذه الخدمات الأساسية يترتب عليه مخاطر كبيرة تواجهها حكومة أي دولة وبطبيعة الحال تتفاوت هذه المخاطر حسب نوع الخدمة الأساسية.

بكل تأكيد إن العمل خدمة أساسية عالية الأهمية وعالية الخطورة أيضاً، عالية الأهمية لأن محصلة جهود الدولة لتنمية الفرد تصب في دوره في خدمة البلاد من خلال العمل في أيٍ من قطاعات التنمية، فإذا لم نوفر له العمل بعد التعليم والتدريب سيصبح المواطن ثروة بشرية مبددة، وليت الأمر يقف عند التبديد فقط بل إنه يتعدى لمخاطر شتى، حيث إن هذا العاطل عن العمل لديه أوقات فراغ قاتلة طويلة ما يجعله يبحث عما يشغله وعادة ما يكون فريسة سهلة لمروجي الخمور والمخدرات ومن يقضي وقته في أعمال إجرامية أو مخالفة للنظام كالتفحيط والسرقات وغير ذلك.

من أفضل ما عرفت من طرق تحقيق السعودة المهنية هي العمل مع الخبرات الأجنبية خصوصاً تلك التي تأتي على شكل كيانات مؤسسية للتخطيط والتشغيل ونقل الخبرة للمواطنين الواعدين ذلك أن هذه السعودة تتكئ على أن المواطن السعودي يجب ألا يبدأ من الصفر بل يجب أن يبدأ معرفيا ومهارياً من حيث انتهى الآخرون من أصحاب الخبرة والنجاحات والتميز والريادة والتفرد، ولا شك أن هذه السعودة المهنية تتحقق بكفاءة عالية متى ما كان “موقف” المواطن السعودي الواعد إيجابياً، حيث يقبل على امتصاص الخبرات من الموارد البشرية غير السعودية ذات الخبرات الكبيرة والعميقة.

مع الأسف الشديد الكثير من المواطنين خلطوا بين الوطنية والنرجسية بل حتى العنصرية فأصبحوا ينظرون للوافد مهما كان ومهما كانت الحاجة له ومهما كان دوره في التنمية، على أنه مغتصب لوظيفة أو استثمار لا يستحقه وهو حق للسعودي فقط في حين أن الكثير من الوظائف المتواضعة لا يقبل عليها السعوديون ولا يمكن تحقيق التنمية المستهدفة دون الاستعانة بالوافدين، وفي حين أن بعض الوظائف المجزية التي يقبل عليها السعوديون تعاني نقصا في الكوادر السعودية كالأطباء والمهندسين والفنيين، وفي حين أن لدى بعض الوافدين خبرات متميزة لا يمكن توطينها إلا من خلال العمل المشترك لسنوات مع المواطنين السعوديين “الواعدين” الذين يرون بالعمل مع الخبرات الوافدة فرصة يجب اقتناصها.

من مؤشرات سوء الإدارة في أي مؤسسة أو شركة ارتفاع معدلات تدوير الموظفين عن النسب المعيارية المتعارف عليها، و مع الأسف الشديد يعاني الكثير من مؤسساتنا اليوم ارتفاع معدلات التدوير بسبب عدم التزام المواطنين في العمل وتنقلهم من وظيفة لأخرى بسرعة كبيرة أو لعدم رغبتهم في العمل بالوظيفة بشكل مستمر واتخاذها كجسر عبور لوظائف أخرى. ويؤكد الكثير من أصحاب العمل أن الكفاءات السعودية لا تجد صعوبة في العثور على أكثر من عرض عمل على عكس غير الكفاءات التي تسعى للحصول على وظيفة من خلال زيادة نسبة السعودة فقط.

وإذا كان الأمر كذلك، ولنحمي المستثمرين الذين يولدون فرص العمل ولنحفز غيرهم على الاستثمار في بلادنا، علينا أن نعمل وبالدرجة نفسها من الأهمية لتوظيف الشباب السعودي من جهة كحق لهم، وأن نعمل على إلزامهم بالالتزام بواجباتهم في وظائفهم من جهة أخرى. ومن الواجبات المهمة العمل على تطوير الذات بجميع الوسائل والاستفادة من أي خبرات وافدة تستقدمها الشركة التي يعمل فيها المواطن السعودي.

ختاماً أسأل الله أن تتعاون وزارة العمل ووزارة الإعلام وبقية الوسائل الإعلامية والرعاية العامة للشباب وجميع المؤسسات التعليمية خصوصا مؤسسات التعليم العالي، على ترسيخ مفهوم واجبات المواطن السعودي تجاه عمله ليتحقق التوازن بين حق العمل وواجبات العمل لنحقق السعودة المهنية لا العاطفية.

المصدر : جريدة الاقتصادية - 16 محرم 1435 هـ الموافق 20 نوفمبر 2013م